وثائقي: سلام سينما
نشر المخرج إعلانا في الصحف المحلية يذكر فيه أنه بحاجة إلى مائة إنسان للعمل ككومبارس في فيلمه الجديد. فوجئ المخرج بأن عدد المتقدمين للاختبار وصل إلى الخمسة آلاف إنسان من الذكور والإناث من مختلف الأعمار.
صور مخملباف وصول هذا العدد الضخم من الناس إلى الأستوديو لخوض تجربة الاختبار، واعتبر البعض أن تلك اللقطات التي صارت من نسيج فيلمه الذي حمل عنوان "سلام سينما" من أعظم مشاهد الجموع في تاريخ السينما.
ويظهر في تلك اللقطات حجم الجهود المضنية التي يبذلها مساعدو المخرج لتسجيل أسماء المتقدمين وتوزيع بطاقات الأرقام عليهم وتنظيم وقوفهم في صفوف تمهيدا لعبورهم بوابة الأستوديو، لكن الناس الذين بدوا منضبطين في البداية فقدوا صبرهم واندفعوا نحو البوابة واخترقوها كما لو أنهم في مظاهرة جماهيرية حاشدة تقتحم موقعا مستهدفا.
ونرى بين تلك اللقطات المخرج نفسه ممسكا بمكبر الصوت يخاطب الجموع الهائجة، قائلا لهم إنهم سيكونون مادة وموضوع الفيلم نفسه.
بعد ذلك المشهد الافتتاحي الذي يستغرق ما يقارب العشر دقائق من الفيلم، ينتقل المخرج إلى داخل الأستوديو ليعرض علينا بقية أحداث فيلمه والتي تجري في تلك القاعة المغلقة، حيث نراقب نماذج من اختبار بعض المتقدمين والمتقدمات، تضم فتيانا صغارا وشبانا وشابات وكبارا في السن.
ثمة في القاعة طاولة يجلس خلفها مخملباف نفسه بين مساعديه فيما تدور الكاميرات لتصور ما يحدث مباشرة. يطلب مخملباف إدخال المتقدمين فرادى أحيانا وجماعات أحيانا أخرى، وهو يوجه للجميع نفس السؤال: لماذا تريد أن تصبح ممثلا؟، وكاختبار للقدرة على التمثيل يطلب منهم الضحك فجأة ثم البكاء فجأة.
يبدأ الاختبار بشاب أعمى يضع على وجهه نظارات سوداء العدسات يريد أن يصبح ممثلا، وهو يجيب عن الأسئلة المشككة بأنه يتمتع بالأفلام لأنه يشعر بها ويفهمها من خلال صديق يشرح له ومن خلال الإصغاء لشريط الصوت، ثم يؤدي مشهدا عاطفيا، لكن المخرج يشك في أمره فيطلب منه أن يخلع نظاراته فينهار الشاب، إذ يتبين أنه مخادع لأنه ليس أعمى إنما اختار هذه الشخصية والدور لكي ينجح في الاختبار، فانفضحت لعبته التي تدرب عليها لأيام متقمصا شخصية الأعمى لأن أداءه افتقد المصداقية.
تصطف أمام طاولة المخرج مجموعة شبان واضح من هيأتهم أنهم من طبقة فقيرة ولا احد منهم يتسم بالوسامة، لكنهم يريدون التمثيل لأنهم يعتقدون أنهم يشبهون نجما أميركيا. أحدهم قيل له إنه مثل بول نيومان، وهو صدق ذلك على الرغم من انه لم ير أي فيلم لبول نيومان ولا يعرف شكله حتى.
تصطف أمام طاولة المخرج مجموعة فتيات محجبات بطبيعة الحال، إحداهن تعتقد أنها تشبه مارلين مونرو. ترفض فتاة شابة تقف مع اثنتين أخريين أن تجيب عن السؤال حول لماذا تريد أن تصبح ممثلة بصوت عال، وتصر على أن تفعل ذلك من دون أن يسمعها أحد باستثناء المخرج.
بعد جدال معها يرضخ المخرج لرغبتها، فتروي له بصوت خفيض أنها كانت تحب شابا ولم تستطع الزواج منه، بعد ذلك هاجر الشاب إلى خارج إيران على أن تلحق به فيما بعد، لكنها لصغر سنها لم تستطع الحصول على فيزا، والآن تريد أن تمثل مع مخملباف لأنها تعرف أن أفلامه تعرض في مهرجان كان، وهكذا سيصبح بإمكانها السفر للخارج كممثلة في فيلم لمحسن مخملباف.
يجلب أب معه ابنين صغيرين يريد أن يجعل منهما ممثلين تحقيقا لحلم راوده في صغره في أن يصبح ممثلا ولكنه لم يستطع ويريد من ولديه أن يحققا حلمه بالنيابة عنه.
يقدم مخملباف في المشاهد الأخيرة فتاتين تريدان التمثيل بقوة مع أنهما تخجلان من تلبية طلبه بتمثيل الضحك أو البكاء أحيانا بسبب الخجل وأحيانا بسبب الادعاء بأن التمثيل مسؤولية ويحتاج إلى الاستعداد، لكن مخملباف، في تعامله الصارم والجاف معهما يتمكن من جعلهما تقدمان ومن دون وعي منهما أداء معبرا بقوة وصدق عن حالات الغضب والانفعال والحزن، وذلك من خلال موافقته على استخدامهما ثم تغيير رأيه وإعلان رفضه ثم الطلب منهما أن تتنازل واحدة منهما للأخرى، مصورا كل تلك الانفعالات الحادة المتناقضة التي شعرتا بها حقيقة، وكأنه بذلك يريد أن يرينا ما الذي يستطيع المخرج أن يفعله مع الممثل.
ينهي المخرج فيلمه بمثل ما ابتدأ به، أي مشاهد جموع المتقدمين للحصول على فرصة التمثيل ولو في أدوار كومبارس. في النتيجة نحن أمام فيلم ملتبس النوع، فهو إما تسجيلي، أو روائي، أو مجرد خليط بين النوعين.
رابط الفيلم:https://youtu.be/i9W7oca2m5w
Comments
Post a Comment